قال الله تعالى: "فَمَنْ حَآجّکَ فِیهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءکَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءکُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءکُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَکُمْ ثمّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لّعْنَةُ اللهِ عَلَى الْکَاذِبِینَ"(۱).
یوم المباهلة
۲۴ ذو الحجّة ۹ﻫ.
معنى المباهلة
قال ابن منظور: «ومعنى المباهلة أن یجتمع القوم إذا اختلفوا فی شیء فیقولوا: لعنة الله على الظالم منّا»(۲).
صفة المباهلة
وصفة المباهلة: أن تشبک أصابعک فی أصابع مَن تباهله وتقول: «اللّهمّ ربّ السماوات السبع، والأرضین السبع، وربّ العرش العظیم، إن کان فلان جحد الحقّ وکفر به فأنزل علیه حسباناً من السماء وعذاباً ألیماً»(۳).
دعوة النبیّ(صلى الله علیه وآله) لأساقفة نجران
کتب رسول الله(صلى الله علیه وآله) کتاباً إلى أساقفة نجران یدعوهم إلى الإسلام، جاء فیه: «أمّا بعد، فإنّی أدعوکم إلى عبادة الله من عبادة العباد، أدعوکم إلى ولایة الله من ولایة العباد، فإن أبیتُم فقد أذنتم بحربٍ، والسلام».
فلمّا قرأ الأسقف الکتاب ذُعِر ذُعراً شدیداً، فبعث إلى رجلٍ من أهل نجران یُقال له: شَرحبیل بن وداعة ـ کان ذا لب ورأی بنجران ـ فدفع إلیه کتاب رسول الله(صلى الله علیه وآله) فقرأه، فقال له الأسقف: ما رأیک؟
فقال شرحبیل: قد علمت ما وعد الله إبراهیم فی ذرّیة إسماعیل من النبوّة، فما یُؤمِنُک أن یکون هذا الرجل، ولیس لی فی النبوّة رأی، لو کان أمر من أُمور الدنیا أشرت علیک فیه وجهدت لک(۴).
فبعث الأسقف إلى واحدٍ بعد واحد من أهل نجران فکلّمهم، فأجابوا مثلما أجاب شرحبیل، فاجتمع رأیهم على أن یبعثوا شرحبیل وعبد الله ابنه وحبّار بن قنص، فیأتوهم بخبر رسول الله(صلى الله علیه وآله).
فانطلق الوفد حتّى أتوا رسول الله(صلى الله علیه وآله)، فسألهم وسألوه، فلم تزل به وبهم المسألة حتّى قالوا: ما تقول فی عیسى بن مریم؟ فقال رسول الله(صلى الله علیه وآله): «إنّهُ عَبدُ الله".
فنزلت آیة المباهلة الکریمة حاملة إجابة وافیة قاطعة لأعذار مُؤلّهی المسیح ومُتبنّیه، وهی بنفس الوقت دعوة صارخة لمباهلة الکاذبین المصرّین على کذبهم فیما یخصّ عیسى(علیه السلام).
فدعاهم(صلى الله علیه وآله) إلى اجتماعٍ حاشد، من أعزّ الملاصقین من الجانبین؛ لیبتهل الجمیع إلى الله تعالى فی دعاء قاطعٍ أن ینزل لعنه على الکاذبین.
قال أحد الشعراء:
تعالوا ندع أنفسنا جمیعاً ** وأهلینا الأقارب والبنینا
فنجعل لعنة الله ابتهالاً ** على أهل العناد الکاذبینا
الخروج للمباهلة
خرج رسول الله(صلى الله علیه وآله) وقد احتضن الحسین، وأخذ بید الحسن، وفاطمة(علیها السلام) تمشی خلفه، والإمام علیّ(علیه السلام) خلفها، وهو(صلى الله علیه وآله) یقول: «إذا دَعوتُ فأمِّنوا.
موقف النصارى
قال أسقف نجران: یا معشر النصارى! إنّی لأرى وجوهاً لو شاء الله أن یزیل جبلاً عن مکانه لأزاله بها، فلا تُباهلوا فتُهلکوا ولم یبق على وجه الأرض نصرانی إلى یوم القیامة، فقالوا: یا أبا القاسم، رأینا أن لا نُباهلک، وأن نقرّک على دینک ونثبت على دیننا.
قال(صلى الله علیه وآله): «فإذا أبیتُم المباهلة فأسلِموا یکن لکم ما للمسلمین وعلیکم ما علیهم»، فأبوا، فقال(صلى الله علیه وآله): «فإنِّی أناجزکم»، فقالوا: ما لنا بحرب العرب طاقة، ولکن نصالحک، فصالحنا على أن لا تغزونا ولا تخیفنا ولا تردّنا عن دیننا، على أن نُؤدّی إلیک فی کلّ عام ألفی حلّة، ألف فی صفر وألف فی رجب، وثلاثین درعاً عادیة من حدید.
فصالحهم على ذلک وقال: «والذی نفسی بیده، إنّ الهلاک قد تَدَلّى على أهل نجران، ولو لاعنوا لَمُسِخوا قِردة وخنازیر، ولاضطرم علیهم الوادی ناراً، ولاستأصل الله نجران وأهله حتّى الطیر على رؤوس الشجر، ولما حال الحول على النصارى کلُّهم حتّى یهلکوا»(۵).
دلالة آیة المباهلة على عصمة وأفضلیة علیّ(علیه السلام)
استدلّ علماؤنا بکلمة: «وأنفسنا»، تبعاً لأئمّتنا(علیهم السلام) على عصمة وأفضلیة أمیر المؤمنین(علیه السلام)، ولعلّ أوّل مَن استدلّ بهذه الآیة المبارکة هو نفس أمیر المؤمنین(علیه السلام)، عندما احتجّ فی الشورى على الحاضرین بجملة من فضائله ومناقبه، فکان من ذلک احتجاجه بآیة المباهلة، وکلّهم أقرّوا بما قال وصدّقوه فیما قال.
وسأل المأمون العبّاسی الإمام الرضا(علیه السلام): هل لک من دلیل من القرآن الکریم على أفضلیة علیّ؟ فذکر له الإمام(علیه السلام) آیة المباهلة، واستدلّ بکلمة: «وأنفسنا»؛ لأنّ النبیّ(صلى الله علیه وآله) عندما أُمر أن یُخرج معه نساءه، فأخرج فاطمة والحسن والحسین فقط، وأمر بأن یُخرج معه نفسه، ولم یخرج إلّا علیّ(علیه السلام)، فکان علیّ نفس رسول الله، إلّا أنّ کون علیّ نفس رسول الله بالمعنى الحقیقی غیر ممکن، فیکون المعنى المجازی هو المراد، وهو أن یکون علیّ مساویاً لرسول الله(صلى الله علیه وآله) فی جمیع الخصائص والمزایا إلّا النبوّة؛ لخروجها بالإجماع.
ومن خصوصیات رسول الله(صلى الله علیه وآله) العصمة، ومن مفهوم آیة المباهلة یُستدلّ على عصمة علیّ(علیه السلام) أیضاً.
ومن خصوصیاته أنّه أولى بالمؤمنین من أنفسهم، فعلیّ أولى بالمؤمنین من أنفسهم أیضاً، وأنّه أفضل جمیع الخلائق وأشرفهم فکذلک علیّ(علیه السلام)، وإذا ثبت أنّه(علیه السلام) أفضل البشر، وجب أن یلیه بالأمر من بعده.
أعمال یوم المباهلة
الغسل، الصیام، الصلاة رکعتان، کصلاة عید الغدیر وقتاً وصفةً وأجراً، ولکن فیها تُقرأ آیة الکرسی إلى )هُمْ فیها خالِدُونَ(.
۱٫ آل عمران: ۶۱٫
۲٫ لسان العرب ۱۱ /۷۲٫
۳٫ مجمع البحرین ۱ /۲۵۸٫
۴٫ اُنظر: مکاتیب الرسول ۲ /۴۹۴٫
۵٫ إقبال الأعمال ۲ /۳۵۰٫
بقلم: محمد أمین نجف
موقع الشیعة اورغ