عن الإمام الرضا(ع): من زارها عارفاً بحقّها فله الجنّة
ثم قوله: «عارفا بحقّها»، الحقّ بمعنى الشیء الثابت، فحقّها أی ما ثبت لها من الله سبحانه ومن رسوله وعترته الطاهرین. وفی روایات زیارة الأئمة الأطهار(ع) ورد أ نّه من یزور الإمام عارفا بحقّه، ومن أعظم حقوقه أ نّه إمام مفترض الطاعة، وأمّا حقّ السیّدة المعصومة فکثیر، وإلیک غیض من فیض:
1ـ إنّما بلغت هذا المقام الشامخ والمنزلة الرفیعة ـ فی بیوت أذن الله أن ترفع ـ عند الله وعند رسوله والعترة الهادیة، لعرفانها وعلمها، ودفاعها المقدّس عن حریم الولایة، والفناء فی الله وفی مقام الإمامة والخلافة العظمى المتمثّلة فی عصرها بإمام زمانها أخیها الرضا(ع)، وأ نّها تشبه عمّتها زینب الکبرى ’ فی دفاعها عن نهضة أخیها سیّد الشهداء الحسین بن علیّ÷، کما أ نّها تشبه اُمّها فاطمة الزهراء’ فی جلالتها وقداستها وجمالها وکمالها. وما أروع ما یقوله الإمام الخمینی(ره) فی أشعاره ـ باللغة الفارسیّة ـ فی مناقبها وفضائلها...
ومقامها العظیم أذکر لک ترجمة بعض الأبیات، یقول: تجلّى النور الإلهی ـ الله نور السماوات والأرض ـ فی الرسول الأکرم محمّد|، ثمّ تجلّى منه فی أمیر المؤمنین حیدر الکرّار(ع)، ثمّ ظهر فی فاطمة الزهراء’، وتجلّى الآن فی بنت موسى بن جعفر÷، وإنّما صار عالم الممکنات بهذا النور حقّاً، ولولاه لکان کلّه باطلاً، ولم یأت الدهر بمثل هاتین البنتین ـ فاطمة الزهراء’ وفاطمة المعصومة’ ـ اللتین خرجتا من بین مشیمة القدرة الإلهیّة، فکانت الزهراء’ مبدأ أمواج العلم، وکانت بنت موسى÷ مصدر أمواج الحلم، تلک کانت تاجاً على رؤوس الأنبیاء، وهذه مغفراً على هامات الأولیاء، تلک کعبة عالم الجلالة، وهذه مشعر ملک الکبریاء، ولو لم یغلق فمی قوله تعالى: «لَمْ یَـلِدْ» لقلت هما بنتا الله، فتلک الزهراء’ أمیرةً على الملک اللاّیزالی، وهذه أمیرةً على العرش الکبریائی، تلک زیّنت أرض المدینة المنوّرة، وهذه نوّرت أرض قم المقدّسة، فهذه جعلت من تراب قم فی الشرف جنّةً، وتلک جعلت ماء المدینة کوثرا، فغبطت الجنان أرض قم، ومنها کانت باب الجنّة.
2ـ إنّما یُعرف جلالة السیّدة وعظمتها’من خلال النصوص الواردة فی حقّها’ من الأئمة المعصومین(ع)، کقول جدّها الصادق(ع): «بضعة منّی من زارها وجبت له الجنّة»، وکقول أبیها الکاظم(ع): «فداها أبوها»، وکقول أخیها الرضا(ع): «من زارها کمن زارنی»، وقول ابن أخیها الجواد(ع): «من زار عمّتی وجبت له الجنّة». کلّ هذه التعبیرات مثلها وردت فی سیّدة نساء الأوّلین والآخرین فاطمة الزهراء’ ایضاً، فهی بضعة الرسول| وفداها أبوها ومن زارها وجبت له الجنّة.
3ـ ما ورد فی زیارتها المعروفة الواردة عن الإمام الرضا(ع) واختلاف تسبیحتها’ ـ فی بدایة الزیارة ـ مع تسبیحة اُمّها الزهراء÷، بتقدیم (سبحان الله) على (الحمد لله) بعد التکبیر و یبدو بنظری فی مقام الفرق بین التسبیحتین الزهرائیة و الفاطمیة: أنه فی تسبیح فاطمة المعصومة یبدأ الزائر بالتکبیر (34 مرّة) (الله أکبر) بدءً باسم الله وذکره وأ نّه الکبیر المتعال، ومن ثَمَّ لا یقع فی الغلوّ، عندما یقرأ ما فی الزیارة ویشاهد العظمة والأوصاف الشامخة، فیکبّر الله سبحانه حتّى یعرف أنّ هذه المقامات والمنازل لأولیاء الله وأصفیاءه کلّها إنّما هی من کبریاء الله جلّ جلاله، فهو الکبیر المتعال عمّا یصفون.ثمّ من المعلول یصل إلى العلّة ـ من باب البرهان الإنّی ـ ومن الکثرة یعرج إلى الوحدة، ومن الصفات السلبیّة ینتهی إلى الصفات الثبوتیّة، فسیر من الخلق إلى الحقّ بالحقّ، ومن الجلال والمعرفة الجلالیة إلى الجمال والمعرفة الجمالیّة، فیبدأ بقوله 33 مرّة (سبحان الله) فینزّه ربّ العالمین عن کلّ نقص کما یوجد فی خلقه، سبّوح قدّوس، فهو مطلق الکمال والکمال المطلق، مستجمع لجمیع صفات الکمال، واحد أحد لیس کمثله شیء، ثمّ یصل بمعرفته هذه إلى جماله المطلق وأ نّه هو الذی یستحقّ کلّ الحمد والثناء، فیقول 33 مرّة (الحمد لله) فکلّ الحمد على نحو الاستغراق لله سبحانه... وفی تسبیح الزهراء’ یبدأ بعد التکبیر بالحمد ثمّ بالتسبیح، أی سیر من الحقّ إلى الخلق بالحقّ، ومن الوحدة إلى الکثرة ـ من باب البرهان اللمّی ـ ومعرفة المعلول بالعلّة، وتکفی هذا السرّ وهذه الإشارة العرفانیّة لمن کان من أهلها.
4ـ ومن حقّها: المودّة، فإنّها من ذوی القربى، فینبغی مودّتها وإکرامها وإعظامها، وعمران حرمها وقبرها الشریف، ونصرتها فی کلّ المواطن، قال رسول الله(ص): «إنّی شافع یوم القیامة لأربعة أصناف ولو جاءوا بذنوب أهل الدنیا: رجلٌ نصر ذرّیتی، ورجل بذل ماله لذرّیتی عند الضیق، ورجلٌ أحبّ ذرّیتی باللسان والقلب، ورجلٌ سعى فی حوائج ذرّیتی إذا طردوا أو شرّدوا»
5ـ عصمتها الأفعالیّة، وبهذه تکون قدوة واُسوة فی السیر والسلوک إلى الله سبحانه.
6ـ الإیمان بشفاعتها العامّة والخاصّة، فإنّها تشفع للناس جمیعا، بإذن الله سبحانه «مَنْ ذَا الَّذِی یَشْفَعُ عِنْدَهُ إلاَّ بِإذْنِهِ»، وإنّ زیارتها توجب شفاعتها، وإنّما یشفع الرسول والوصی والعالم والمؤمن والشهید، والسیّدة’ حملت هذه الأوصاف، فإنّها من بیت الوحی والنبوّة ومعدن العلم والإمامة، قال الإمام الصادق×: «تدخل بشفاعتها شیعتنا الجنّة بأجمعهم».
7ـ أنّ لها عند الله شأن من الشأن، کما للرسول وعترته(ع)، وهو العلم اللدنّی الخاصّ، ولها العلم الإلهامی وهو من أقسام العلم اللدنّی، وإنّها من رواة الأحادیث الشریفة، فهى من ورثة الأنبیاء والأوصیاء.
8ـ رعایة آدب الحضور وعدم رفع الصوت، کما لا یرفع عند رسول اللّه(ص) فی حیاته وعند قبره.
9ـ لا یؤذیها بسوء الأدب وارتکاب المعصیة، قال رسول الله(ص): «والله لا تشفّعت فی مَن آذى ذرّیتی».
10ـ زیارتها تعادل الجنّة کما تعادل زیارة المعصومین(ع)، وزیارتهم هی زیارة الله وضیافته فی عرشه، وضیافة الله إنّما هی ضیافة الأسماء الحسنى والصفات العلیا وعلى الموائد العرفانیة والروحانیة من علوم القرآن الکریم والسنّة الشریفة... ! !
11ـ لقد ورد فی الحدیث الشریف أن قم المقدّسة عش آل محمّد، والعشّ کما فی کتب اللغة هو (موضع الطائر یجمعه من دقاق الحطب) لیأوی إلیه ویحمی فراخه من الصیّادین حتّى ینبت ریشهم ویتمکّنوا من الطیران، فکذلک قم، فإنّها مأوى الفاطمیین والعلویین وشیعة أمیر المؤمنین، ما یقصدها جبّار إلاّ هلک، وإنّ من حوزة قم یحلّق العلماء إلى سماء الفضائل والمکارم، وینشروا العلم إلى مشارق الأرض ومغاربها حتّى المخدّرات فی الحجول تأخذ حجّتها وعلمها من قم المقدّسة، فإن قم المقدسة قبل ظهور الحجة المنتظر(ع) تکون هی الحجة علی الناس کما ورد فی الخبر الشریف، وهذا من برکة السیّدة المعصومة، کما ورد فی زیارتها المأثورة أن یزار الأنبیاء آدم واُولی العزم منهم، ثمّ الأئمة الأطهار(ع) لیوحی للزائر أنّ قم عشّ الأنبیاء والأوصیاء کلّهم والذی یتمثّل خطّهم فی آل محمّد(ع). کما أنّ أرض قمّ کلّها حرم الأئمة الأطهار(ع)، فأینما یسکن الوارد بقم فهو فی حرمهم وعشّهم وفی حمى کریمة أهل البیت(ع) .والحمد لله رب العالمین.
المصدر :موقع السید محمد رضا الجلالی