هو علي بن محمد بن علي الرضا بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسین بن علي بن أبي طالب(علیهم السلام) وهو العاشر من أئمة أهل البیت(علیهم السلام) وأُمّه أُمّ ولد یقال لها سمانة المغربیة وعُرفت بأُمّ الفضل.
ولادته ونشأته:
وُلد(علیه السلام) ۱۵ ذو الحجّة ۲۱۲ﻫ، وقيل: ۲ رجب ۲۱۲ﻫ، في المدينة المنوّرة، قرية صريا التي تبعد عن المدینة ثلاثة أمیال .
کنیته وألقابه :
یُکنّى الإمام(علیه السلام) بأبي الحسن أمّا ألقابه فهي: الهادي والنقي وهما أشهر ألقابه.
وفي المناقب ذکر الألقاب التالیة: النجیب، الهادي، المرتضى، النقي، العالم، الفقیه، الأمین، المؤتَمن، الطیّب، العسکری، وقد عرف هو وابنه بالعسکریین(علیهما السلام) .
ولد الإمام الهادي علي بن محمد(علیه السلام) محاطاً بالعنایة الإلهیة، فأبوه هو الإمام المعصوم والمسدَّد من الله محمّد الجواد(علیه السلام) وأُمّه الطاهرة التقیّة سمانة المغربیة، ونشأ على مائدة القرآن المجید وخلق النبي العظیم المتجسّد في أبیه الکریم خیر تجسید .
عصر الأمام الهادي
لقد بدت علیه آیات الذکاء الخارق والنبوغ المبکّر الذي کان ینبئ عن الرعایة الإلهیة التي خُصّ بها هذا الإمام العظیم منذ نعومة أظفاره، وقد تقلّد منصب الإمامة الإلهی بعد أبیه في الثامنة من عمره الشریف فکان مثالاً آخر للإمامة المبکّرة التي أصبحت أوضح دلیل على حقّانیة خط أهل البیت الرسالي في دعوى الوصیّة والزعامة الدینیة والدنیویة للأمة الإسلامیة خلافة عن رسول الله(صلى الله علیه وآله وسلم) ونیابة عنه في کل مناصبه القیادیة والرسالیة.
وتنقسم حیاة هذا الإمام العظیم إلى حقبتین متمیّزتین: أمضى الأولى منهما مع أبیه الجواد(علیه السلام) وهي أقلّ من عقد واحد بینما أمضى الثانیة وهي تزید عن ثلاثة عقود عاصر خلالها ستّة من ملوک الدولة العبّاسیة وهم: المعتصم والواثق والمتوکّل والمنتصر والمستعین والمعتز، واستشهد في أیام حکم المعتز عن عمر یناهز أربعة عقود وسنتین، وقد عانى من ظلم العباسیین کما عانى آباؤه الکرام حیث أحکموا قبضتهم على الحکم واتخذوا کل وسیلة لإقصاء أهل البیت النبوة وإبعادهم عن الساحة السیاسیة والدینیة، وإن کلّفهم ذلك تصفیتهم جسدیّاً کما فعل هارون مع الإمام الکاظم، والمأمون مع الإمام الرضا، والمعتصم مع الإمام الجواد(علیهم السلام) .
وتمیّز عصر الإمام الهادي(علیه السلام) بقربه من عصر الغیبة المرتقب، فکان علیه أن یهیّئ الجماعة الصالحة لاستقبال هذا العصر الجدید الذي لم یُعهد من قبل حیث لم یمارس الشیعة حیاتهم إلاّ في ظل الارتباط المباشر بالأئمة المعصومین خلال قرنین من الزمن .
ومن هنا کان دور الإمام الهادي(علیه السلام) في هذا المجال مهمّاً وتأسیسیّاً وصعباً بالرغم من کل التصریحات التي کانت تتداول بین المسلمین عامّةً، وبین شیعة أهل البیت خاصّةً حول غیبة الإمام الثاني عشر من أئمة أهل البیت(علیهم السلام) أي المهدي المنتظر الذي وعد الله به الأمم .
وبالرغم من العزلة التي کانت قد فرضتها السلطة العباسیة على هذا الإمام حیث أحکمت الرقابة علیه في عاصمتها سامراء ولکنّ الإمام کان یمارس دوره المطلوب ونشاطه التوجیهي بکل دقّة وحذر، وکان یستعین بجهاز الوکلاء الذي أسّسه الإمام الصادق(علیه السلام) وأحکم دعائمه أبوه الإمام الجواد(علیه السلام) وسعى من خلال هذا الجهاز المحکم أن یقدّم لشیعته أهمّ ما تحتاج إلیه في ظرفها العصیب .
وبهذا أخذ یتّجه بالخط الشیعي أتباع أهل البیت(علیهم السلام) نحو الاستقلال الذي کان یتطلّبه عصر الغیبة الکبرى، فسعى الإمام الهادي(علیه السلام) بکل جدّ في تربیة العلماء والفقهاء إلى جانب رفده المسلمین بالعطاء الفکري والدیني والعقائدي والفقهي والأخلاقي، ویمثّل لنا مسند الإمام الهادی(علیه السلام) جملة من تراثه الذي وصل إلینا بالرغم من قساوة الظروف التي عاشها هو ومَن بعده من الأئمة الأطهار(علیهم السلام).
الاستشهاد
ظلّ الإمام(علیه السلام) یعاني من ظلم الحکّام وجورهم حتّى دُسّ إلیه السمّ کما حدث لآبائه الطّاهرین، وقد قال الإمام الحسن(علیه السلام): ما منّا إلاّ مقتول أو مسموم .
قال الطبرسي وابن الصباغ المالکي: في آخر ملکه (أي المعتز)، استشهد وليّ الله علي بن محمد(علیه السلام).
وقال ابن بابویه: وسمّه المعتمد .
وقال المسعودي: وقیل إنّه مات مسموماً، ویؤید ذلك ما جاء في الدّعاء الوارد في شهر رمضان: وضاعف العذاب على مَن شرك في دمه .
وقال سراج الدین الرفاعي في صحاح الأخبار: (وتوفّي شهیداً بالسمّ في خلافة المعتز العباسي) .
وقال محمد عبد الغفار الحنفي في کتابه أئمة الهدى: (فلمّا ذاعت شهرته -علیه السلام- استدعاه الملك المتوکل من المدینة المنوّرة حیث خاف على ملکه وزوال دولته وأخیراً دسّ إلیه السمّ) .
والصحیح أنّ المعتز هو الذي دسّ إلیه السمّ وقتله به .
ویظهر أنّه اعتلّ من أثر السمّ الذي سُقي کما جاء في روایة محمّد بن الفرج عن أبي دعامة، حیث قال: أتیت عليّ بن محمد(علیه السلام) عائداً في علّته التي کانت وفاته منها، فلمّا هممت بالانصراف قال لي: یا أبا دعامة قد وجب عليّ حقّك ألا أُحدّثك بحدیث تسرّ به
قال: فقلت له: ما أحوجني إلى ذلك یا ابن رسول الله .
قال: حدّثنی أبي محمد بن عليّ قال: حدثّني أبي عليّ بن موسى قال: حدثّني أبي موسى بن جعفر قال: حدّثني أبي جعفر بن محمّد قال: حدّثني أبي محمّد بن عليّ قال: حدّثني أبي عليّ بن الحسین قال: حدّثني أبي الحسین بن علیّ قال: حدّثني أبي علي بن أبي طالب(علیهم السلام) قال: قال لي رسول الله (صلى الله علیه وآله وسلم) : یا علي اکتب: فقلت: وما أکتب؟
فقال: اکتب بسم الله الرحمن الرحیم الإیمان ما وقّرته القلوب وصدّقته الأعمال، والإسلام ما جرى على اللّسان، وحلّت به المناکحة .
قال أبو دعامة: فقلت: یا ابن رسول الله، والله ما أدري أیّهما أحسن؟
الحدیث أم الإسناد! فقال: إنّها لصحیفة بخطّ علي بن أبی طالب (علیه السلام) وإملاء رسول الله -صلى الله علیه وآله وسلم- نتوارثها صاغراً عن کابرز
قال المسعودي: واعتلّ أبو الحسن (علیه السلام) علّته التي مضى فیها فأحضر أبا محمد ابنه (علیه السلام) فسلّم إلیه النّور والحکمة ومواریث الأنبیاء والسّلاح ونصّ علیه وأوصى إلیه بمشهد من ثقات أصحابه ومضى(علیه السلام) وله أربعون سنة .
تاریخ الاستشهاد
ذکر المفید في (الإرشاد)، والإربلي في (کشف الغمّة)، والطبرسي فی (إعلام الورى)، فقالوا: قبض (علیه السلام) في رجب، ولم یحدّدوا یومه .
وقال أبو جعفر الطوسی في مصابیحه، وابن عیّاش، وصاحب الدّروس: إنّه قُبض بسرّ مَن رأى یوم الاثنین ثالث رجب ووافقهم الفتّال النیسابوري في روضة الواعظین حیث قال: توفّي (علیه السلام) بـ (سرّ مَن رأى) لثلاث لیال خلون نصف النّهار من رجب، وللزرندي قول: بأنّه توفّي یوم الاثنین الثالث عشر من رجب .
ولکنّ الکلّ متّفقون على أنّه استشهد فی سنة أربع وخمسین ومائتین للهجرة.
فسلام علیه یوم وُلد ویوم تقلّد الإمامة وهو صبي لم یبلغ الحلم ویوم استشهد ویوم یُبعث حیّاً.