یتمیّز الأئمّة ( علیهم السلام ) بارتباطٍ خاصٍّ بالله تعالى وعالَم الغیب ، بسبَبِ مقامِ العصمة والإمامة ، ولَهُم - مثل الأنبیاء - معاجزٌ وکرامَاتٌ تؤیِّد ارتباطهم بالله تعالى ، وکونَهم أئمّة . وللإمام الصادق ( علیه السلام ) معاجزٌ وکراماتٌ کثیرةٌ ، سجَّلَتْها کتبُ التاریخ ، ونذکر هنا بعضاً منها :
- الکرامة الأولى :
عن المفضّل بن عمر ، قال : کنت أمشی مع أبی عبد الله جعفر ( علیه السلام ) بمکّة ، إذ مررنا بامرأة بین یدیها بقرة میّتة ، وهی مع صبیة لها تبکیان ، فقال ( علیه السلام ) لها : ( ما شأنک ؟ ) .
قالت : کنت أنا وصبیانی نعیش من هذه البقرة ، وقد ماتت ، لقد تحیّرت فی أمری ، قال ( علیه السلام ) : ( أفتحبین أن یحییها الله لک ؟ ) قالت : أو تسخر منّی مع مصیبتی ؟
قال : ( کلا ، ما أردت ذلک ) ، ثمّ دعا بدعاء ، ثمّ رکضها برجله ، وصاح بها ، فقامت البقرة مسرعة سویة ، فقالت : عیسى ابن مریم وربّ الکعبة ، فدخل الصادق ( علیه السلام ) بین الناس ، فلم تعرفه المرأة .
- الکرامة الثانیة :
قال صفوان بن یحیى : قال لی العبدی : قالت أهلی لی قد طال عهدنا بالصادق ( علیه السلام ) ، فلو حججنا وجدّدنا به العهد ، فقلت لها : والله ما عندی شیء أحج به ، فقالت : عندنا کسوة وحلی فبع ذلک ، وتجهّز به ، ففعلت ، فلمّا صرنا بقرب المدینة مرضت مرضاً شدیداً حتّى أشرفت على الموت ، فلمّا دخلنا المدینة خرجت من عندها ، وأنا آیس منها ، فأتیت الصادق ( علیه السلام ) ، وعلیه ثوبان ممصران ، فسلّمت علیه ، فأجابنی وسألنی عنها ، فعرّفته خبرها ، وقلت : إنّی خرجت وقد أیست منها ، فأطرق ملیاً ، ثمّ قال : ( یا عبدی أنت حزین بسببها ؟ ) ، قلت : نعم .
قال : ( لا بأس علیها ، فقد دعوت الله لها بالعافیة ، فارجع إلیها ، فإنّک تجدها قد فاقت ، وهی قاعدة ، والخادمة تلقمها الطبرزد ) ، قال : فرجعت إلیها مبادراً ، فوجدتها قد أفاقت ، وهی قاعدة ، والخادمة تلقمها الطبرزد ، فقلت : ما حالک ؟ قالت : قد صبّ الله علیّ العافیة صبّاً ، وقد اشتهیت هذا السکّر ، فقلت : خرجت من عندک آیساً ، فسألنی الصادق ( علیه السلام ) عنک ، فأخبرته بحالک ، فقال : ( لا بأس علیها ، ارجع إلیها ، فهی تأکل السکّر ) .
قالت : خرجت من عندی وأنا أجود بنفسی ، فدخل علیّ رجل علیه ثوبان ممصران ، قال : ما لک ؟ قلت : أنا میّتة ، وهذا ملک الموت قد جاء لقبض روحی ، فقال : ( یا ملک الموت ) ، قال : لبیک أیها الإمام ، قال : ( ألست أمرت بالسمع والطاعة لنا ؟ ) قال : بلى ، قال : ( فإنّی آمرک أن تؤخّر أمرها عشرین سنة ) ، قال : السمع والطاعة ، قالت : فخرج هو وملک الموت من عندی ، فأفقت من ساعتی .
- الکرامة الثالثة :
قال علی بن أبی حمزة : حججت مع الصادق ( علیه السلام ) ، فجلسنا فی بعض الطریق تحت نخلة یابسة ، فحرّک شفتیه بدعاء لم أفهمه ، ثمّ قال : ( یا نخلة أطعمینا ممّا جعل الله فیک من رزق عباده ) ، قال : فنظرت إلى النخلة وقد تمایلت نحو الصادق ( علیه السلام ) ، وعلیها أعذاقها وفیها الرطب .
قال : ( أدن ، فسم وکل ) ، فأکلنا منها رطباً أعذب رطب وأطیبه ، فإذا نحن بأعرابی یقول : ما رأیت کالیوم سحراً أعظم من هذا ؟ فقال الصادق ( علیه السلام ) : ( نحن ورثة الأنبیاء ، لیس فینا ساحر ولا کاهن ، بل ندعو الله فیجیب ، وإن أحببت أن أدعو الله فیمسخک کلباً تهتدی إلى منزلک ، وتدخل علیهم وتبصبص لأهلک فعلت ) .
قال الأعرابی بجهله : بلى ، فدعا الله فصار کلباً فی وقته ، ومضى على وجهه ، فقال لی الصادق ( علیه السلام ) : ( اتبعه ) ، فاتبعته حتّى صار إلى حیّه ، فدخل إلى منزله ، فجعل یبصبص لأهله وولده ، فأخذوا له العصا حتّى أخرجوه ، فانصرفت إلى الصادق ( علیه السلام ) فأخبرته بما کان منه ، فبینا نحن فی حدیثه إذ أقبل حتّى وقف بین یدی الصادق ( علیه السلام ) ، وجعلت دموعه تسیل على خدیه ، وأقبل یتمرّغ فی التراب ویعوی ، فرحمه فدعا الله له ، فعاد أعرابیاً ، فقال له الصادق ( علیه السلام ) : ( هل آمنت یا أعرابی ؟ ) قال : نعم ألفاً وألفاً .
- الکرامة الرابعة :
قال یونس بن ظبیان : کنت عند الصادق ( علیه السلام ) مع جماعة ، فقلت : قول الله تعالى لإبراهیم : ( فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّیْرِ فَصُرْهُنَّ ) ، أو کانت أربعة من أجناس مختلفة ؟ أو من جنس واحد ؟ فقال : ( أتحبّون أن أریکم مثله ؟ ) قلنا : بلى ، قال : ( یا طاووس ) ، فإذا طاووس طار إلى حضرته ، ثمّ قال : ( یا غراب ) ، فإذا غراب بین یدیه ، ثمّ قال : ( یا بازی ) ، فإذا بازی بین یدیه ، ثمّ قال : ( یا حمامة ) ، فإذا حمامة بین یدیه .
ثمّ أمر بذبحها کلّها وتقطیعها ، ونتف ریشها ، وأن یخلط ذلک کلّه بعضه ببعض ، ثمّ أخذ برأس الطاووس فقال : ( یا طاووس ) ، فرأینا لحمه وعظامه وریشه یتمیّز من غیره حتّى التزق ذلک کلّه برأسه ، وقام الطاووس بین یدیه حیّاً ، ثمّ صاح بالغراب کذلک ، وبالبازی والحمامة مثل ذلک ، فقامت کلّها أحیاء بین یدیه .
- الکرامة الخامسة :
روى أبو الصلت الهروی عن الإمام الرضا ( علیه السلام ) أنّه قال : ( قال لی أبی موسى ( علیه السلام ) : کنت جالساً عند أبی ( علیه السلام ) ، إذ دخل علیه بعض أولیائنا ) ، فقال : بالباب رکب کثیر یریدون الدخول علیک ، فقال لی : ( أنظر من بالباب ؟ فنظرت إلى جمال کثیرة علیها صنادیق ، ورجل راکب فرساً ، فقلت من الرجل ؟ ) .
فقال : رجل من السند والهند أردت الإمام جعفر بن محمّد ( علیهما السلام ) ، ( فأعلمت والدی بذلک ، فقال : لا تأذن للنجس الخائن ) ، فأقام بالباب مدّة مدیدة ، فلا یؤذن له حتّى شفع یزید بن سلیمان ، ومحمّد بن سلیمان ، فأذن له ، فدخل الهندی وجثا بین یدیه ، فقال : أصلح الله الإمام أنا رجل من بلد الهند ، من قبل ملکها بعثنی إلیک بکتاب مختوم ، ولی بالباب حول لم تأذن لی فما ذنبی ؟ أهکذا یفعل الأنبیاء ؟ قال : فطأطأ رأسه ، ثمّ قال : ( وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِینٍ ) ، ولیس مثلک من یطأ مجالس الأنبیاء .
قال موسى ( علیه السلام ) : ( فأمرنی أبی بأخذ الکتاب وفکّه ) ، فکان فیه : بسم الله الرحمن الرحیم إلى جعفر بن محمّد الصادق الطاهر من کل نجس من ملک الهند ، أمّا بعد :
فقد هدانی الله على یدیک ، وإنّه أهدی إلیّ جاریة لم أر أحسن منها ، ولم أجد أحداً یستأهلها غیرک ، فبعثتها إلیک مع شیء من الحلی والجواهر والطیب ، ثمّ جمعت وزرائی فاخترت منهم ألف رجل یصلحون للأمانة ، واخترت من الألف مائة ، واخترت من المائة عشرة ، واخترت من العشرة واحداً ، وهو میزاب بن حباب ، لم أر أوثق منه ، فبعثت على یده هذه الجاریة والهدیة .
فقال جعفر ( علیه السلام ) : ( ارجع أیها الخائن ، ما کنت بالذی أقبلها ، لأنّک خائن فیما أؤتمنت علیه ) ، فحلف أنّه ما خان ، فقال ( علیه السلام ) : ( إن شهد علیک بعض ثیابک بما خنت تشهد أن لا إله إلاّ الله ، وأنّ محمّداً عبده ورسوله ( صلى الله علیه وآله ) ؟ ) قال : أو تعفینی من ذلک ، قال : ( اکتب إلى صاحبک بما فعلت ) .
قال الهندی : إن علمت شیئاً فأکتب ، وکان علیه فروة ، فأمره بخلعها ، ثمّ قام الإمام ، فرکع رکعتین ، ثمّ سجد ، قال موسى ( علیه السلام ) : ( فسمعته فی سجوده یقول : اللهم إنّی أسألک بمعاقد العز من عرشک ، ومنتهى الرحمة من کتابک ، أن تصلّی على محمّد عبدک ورسولک ، وأمینک فی خلقک وآله ، وأن تأذن لفرو هذا الهندی أن یتکلّم بلسان عربی مبین یسمعه من فی المجلس من أولیائنا ، لیکون ذلک عندهم آیة من آیات أهل البیت ، فیزدادوا إیماناً مع إیمانهم ) .
ثمّ رفع رأسه ، فقال : ( أیّها الفرو تکلّم بما تعلم من هذا الهندی ) ، قال موسى ( علیه السلام ) : ( فانتفضت الفروة وصارت کالکبش ، وقالت : یا ابن رسول الله ائتمنه الملک على هذه الجاریة وما معها ، وأوصاه بحفظها حتّى صرنا إلى بعض الصحاری أصابنا المطر ، وابتل جمیع ما معنا ، ثمّ احتبس المطر وطلعت الشمس ، فنادى خادماً کان مع الجاریة یخدمها ، یقال له : بشر ، وقال له : لو دخلت هذه المدینة فأتیتنا بما فیها من الطعام ، ودفع إلیه دراهم ، ودخل الخادم المدینة ، فأمر المیزاب هذه الجاریة أن تخرج من قبّتها إلى مضرب ، قد نصب لها فی الشمس فخرجت ، وکشفت عن ساقیها ، إذ کان فی الأرض وحل ، ونظر هذا الخائن إلیها فراودها عن نفسها ، فأجابته وفجر بها وخانک ) .
فخرّ الهندی على الأرض ، فقال : ارحمنی فقد أخطأت وأقرّ بذلک ، ثمّ صار فروة کما کانت ، وأمره أن یلبسها ، فلمّا لبسها انضمت فی حلقه وخنقته حتّى أسود وجهه ، فقال الصادق ( علیه السلام ) : ( أیها الفرو خل عنه حتّى یرجع إلى صاحبه ، فیکون هو أولى به منّا ) ، فانحل الفرو ، وقال ( علیه السلام ) : ( خذ هدیتک وارجع إلى صاحبک ) .
فقال الهندی : الله الله یا مولای فیّ ، فإنّک إن رددت الهدیة خشیت أن ینکر ذلک علیّ ، فإنّه شدید العقوبة ، فقال : ( أسلم أعطک الجاریة ) ، فأبى ، فقبل الهدیة وردّ الجاریة ، فلمّا رجع إلى الملک ، رجع الجواب إلى أبی بعد أشهر فیه مکتوب : بسم الله الرحمن الرحیم إلى جعفر بن محمّد الإمام ( علیه السلام ) من ملک الهند ، أمّا بعد :
فقد کنت أهدیت إلیک جاریة ، فقبلت منّی ما لا قیمة له ، ورددت الجاریة ، فأنکر ذلک قلبی ، وعلمت أنّ الأنبیاء وأولاد الأنبیاء معهم فراسة ، فنظرت إلى الرسول بعین الخیانة ، فاخترعت کتاباً وأعلمته أنّه جاءنی منک بخیانة ، وحلفت أنّه لا ینجیه إلاّ الصدق ، فأقرّ بما فعل ، وأقرّت الجاریة بمثل ذلک ، وأخبرت بما کان من أمر الفرو ، فتعجّبت من ذلک ، وضربت عنقها وعنقه ، وأنا أشهد أن لا إله إلاّ الله ، وحده لا شریک له ، وأن محمّداً عبده ورسوله ، واعلم أنّی واصل على أثر الکتاب ، فما أقام إلاّ مدّة یسیرة حتّى ترک ملک الهند وأسلم ، وحسن إسلامه .
- الکرامة السادسة :
عن هشام بن الحکم : أنّ رجلاً من الجبل أتى أبا عبد الله ( علیه السلام ) ، ومعه عشرة آلاف درهم ، وقال : اشتر لی بها داراً أنزلها إذا قدمت وعیالی معی ، ثمّ مضى إلى مکّة ، فلمّا حج وانصرف أنزله الصادق ( علیه السلام ) فی داره ، وقال له : ( اشتریت لک داراً فی الفردوس الأعلى ، حدّها الأوّل إلى دار رسول الله ( صلى الله علیه وآله ) ، والثانی إلى علی ( علیه السلام ) ، والثالث إلى الحسن ( علیه السلام ) ، والرابع إلى الحسین ( علیه السلام ) ، وکتبت لک هذا الصک به ) .
فقال الرجل لما سمع ذلک : رضیت ، ففرّق الصادق ( علیه السلام ) تلک الدراهم على أولاد الحسن والحسین ( علیهما السلام ) ، وانصرف الرجل ، فلمّا وصل إلى المنزل اعتل علّة الموت ، فلمّا حضرته الوفاة جمع أهل بیته وحلّفهم أن یجعلوا الصک معه فی قبره ، ففعلوا ذلک ، فلمّا أصبح وغدوا إلى قبره ، وجدوا الصک على ظهر القبر ، وعلى ظهر الصک مکتوب : وفى لی ولی الله جعفر بن محمّد ( علیهما السلام ) بما وعدنی .
- الکرامة السابعة :
إنّ حماد بن عیسى سأل الإمام الصادق ( علیه السلام ) : أن یدعو له لیرزقه الله ما یحج به کثیراً ، وأن یرزقه ضیاعاً حسنة ، وداراً حسناً ، وزوجة من أهل البیوتات صالحة ، وأولاداً أبراراً ، فقال الإمام الصادق ( علیه السلام ) : ( اللهم ارزق حماد بن عیسى ما یحج به خمسین حجّة ، وارزقه ضیاعاً حسنة ، وداراً حسناً ، وزوجة صالحة من قوم کرام ، وأولاداً أبراراً ) .
قال بعض من حضره : دخلت بعد سنین على حماد بن عیسى فی داره بالبصرة ، فقال لی : أتذکر دعاء الصادق ( علیه السلام ) لی ؟ قلت : نعم ، قال : هذه داری ، ولیس فی البلد مثلها ، وضیاعی أحسن الضیاع ، وزوجتی من تعرفها من کرام الناس ، وأولادی هم من تعرفهم من الأبرار ، وقد حججت ثمانیة وأربعین حجّة .
قال : فحجّ حماد حجّتین بعد ذلک ، فلمّا خرج فی الحجّة الحادیة والخمسین ، ووصل إلى الجحفة ، وأراد أن یحرم دخل وادیاً لیغتسل ، فأخذه السیل ومر به ، فتبعه غلمانه فأخرجوه من الماء میّتاً ، فسمّی حماد غریق الجحفة .
- الکرامة الثامنة :
عن أبی الصامت الحلاونی ، قال : قلت للصادق ( علیه السلام ) : أعطنی شیئاً ینفی الشک عن قلبی ؟ قال الإمام الصادق ( علیه السلام ) : ( هات المفتاح الذی فی کمّک ) ، فناولته ، فإذا المفتاح شبّه أسد فخفت ، قال : ( خذ ولا تخف ) ، فأخذته ، فعاد مفتاحاً کما کان .
المأخذ:
http://www.tebyan.net/index.aspx?pid=52745