سردیات ثقافیة من سیاسات الهویة إلی سیاسات الإختلاف/ محمد بوعزة/ بیروت: ضفاف؛ رباط: دارالأمان؛ الجزایر: الإختلاف/ ۱۴۳۵ق = ۲۰۱۴م/ 205 ص. (مقاربات فکریة)
س 779 ب 3/ 809
لعقود من الزمن ظلت السردیات فی مقاربتها للسرد منحصرة فی أفقها البنیوی. و إذا کانت قد استطاعت أن ترسی مقاربة علمیة دقیقة للسرد خلال المرحلة البنیویة، فإن مشروعها
النسقی لم یخل من مفارقات ابستیمولوجیة، کشفت عن محدودیة هذا الأفق البنیوی.
ذلک أن طموحها الى بناء نحو للسرد على غرار نحو اللغة، جعلها تسقط فی میتافیزیقا النسق، حیث تحدد موضوعها فی بناء نموذج افتراضی کلی للسرد.
و هذا ما ترتب علیه اختزال النص المفرد الى مجرد تجل لهذه البنیة الافتراضیة العامة، باعتباره انجازاً من إنجازاتها الممکنة، بقطع النظر عن تنوعات متون السرد الثریة و اختلافاتها،
و تعدد مرجعیاتها الأجناسیة. و کانت النتیجة تهمیش دینامیة النص المفرد لفائدة نسقیة النموذج، بحیث صار موضوع البحث هو السرد بصفة عامة، و لیس هذا النوع السردی أو ذاک، أو
النص السردی المفرد، و إنما قواعد النسق بصفة مجردة متعالیة على تحقیقاتها الإمبریقیة. هذا المأزق الابستیمولوجی، کان نتاج التأثر بالنموذج اللسانی، لکنه انبنى على مفارقة، تمثلت
فی إهمال طبیعة النص المعقدة، ذلک أنه لا یمکن إسقاط النموذج اللسانی على وصف النصوص، لأن بنیتها الداخلیة تعتمد على عوامل لیست لسانیة بشکل خالص.
ینبثق طموح هذه الدراسة من محاولة تجاوز الأفق البنیوی للسردیات، أو بالأحرى توسیعه لینفتح على الأسئلة المعرفیة و المرجعیات الثقافیة لطبیعة السرد، و ذلک فی إطار اهتمامنا
بصیاغة تصور للسردیات الثقافیة، لا یلغی المنجز النظری للسردیات البنیویة، خاصة ما یتعلق بمقولات تحلیل النص السردی، ذات الطبیعة الاجرائیة، و التی تحتفظ بفاعلیتها البنیات
السردیة، و رصد أسالیب السرد، و لکن یعید تکییفها فی أفق ثقافی، یتجاوز مستوى الوصف البنیوی، نحو عملیة التأویل، و ذلک بالبحث فی المرجعیات الثقافیة المحددة لدینامیة السرد و
قوته الرمزیة فی تشفیر العالم، و استنطاق سیاسات التمثیل السردی.